حكم من أفطر متعمدا فى رمضان
- أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، عن حُمَيد (1) بن عبد الرحمن (2)، عن أبي هريرة: أن رجلاً (3) أفطر في رمضان فأمر (4) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكفِّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، قال لا أجد (5)، فأُتي رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بعَرَقٍ (7) من تمر، فقال: خذ هذا فتصدَّق به، فقال: يا رسول الله، ما أجد أحداً (8 أحوجَ (9) إليه مني، قال: كُلْه (10).
قال محمد: وبهذا نأخذ إذا أفطر الرجل متعمِّداً (11) في شهر رمضان بأكلٍ أو شربٍ (12) أو جماع (13) فعليه (14) قضاءُ يومٍ مكانه، وكفّارةُ الظهار أنْ (15) يعتقَ رقبة، فإن لم يجد (16) فصيامُ شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم (17) ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع (18) من حنطة أو صاع من تمر أو شعير.
(1) أبو عبد الرحمن المدنيّ، وثّقه العجلي وغيره، ومات سنة 95 هـ، وقيل: 105 هـ، كذا في "الإِسعاف".
(2) أي ابن عوف، كما ليحيى.
(3) قوله: أن رجلاً، هو سلمان، وقيل سلمة بن صخر البياضي، رواه ابن أبي شيبة وابن الجارود، وبه جزم عبد الغني، وتُعقّب بأن سلمة هو المُظاهر في رمضان، وإنما أتى أهله ليلاً رأى خلخالها في القمر.
(4) في نسخة: أمره. قوله: أفطر في رمضان، قال ابن عبد البر: كذا رواه مالك ولم يذكر بماذا أفطر، وتابعه جماعة عن ابن شهاب، وقال أكثر الرواة عن الزهري: إن رجلاً وقع على امرأته في رمضان، فذكروا ما أفطر به، فتمسك به أحمد والشافعي ومن وافقهما في أن الكفارة خاصة بالجماع، فإن الذمة بريئة فلا يثبت شيء فيها إلا بيقين، وقال مالك وأبو حنيفة وطائفة: عليه الكفارة بتعمُّد أكل وشرب ونحوهما أيضاً، لأن الصوم شرعاً الامتناع عن الأكل والجماع فإذا ثبت في وجه من ذلك شيء ثبت في نظيره (والجامع بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمداً. انظر أوجز المسالك 5/66).
(5) وفي حديث عائشة قال: تصدَّق، فقال: يا بني الله ما لي شيء، وما أقدر عليه.
(6) لم يسمِّ الآتي، وللبخاري في الكفارات: فجاء رجل من الأنصار.
(7) فسّر الزُّهريّ في رواية الصحيحين بأنه المِكْتَل (العَرَق) بفتح العين والراء، وروي بإسكان الراء، وذَكر في "المُغرب" وغيره أن العرق مكتل يسع ثلاثين صاعاً من تمر وقيل خمسة عشر.
(8 أي بين لابتي المدينة، كما في رواية.
(9) أي أفقر إلى أكله.
(10) قوله: كُلْه، احتج به القائل بأنه لا تجب الكفارة، ورُدّ بأنه أباح له تأخيرها إلى وقت اليُسْر، لا أنه أسقطها عنه جملة، وقال عياض: قال الزهري: هذا خاصّ بذا الرجل.
(11) وأمّا الناسي فلا كفارة عليه ولا قضاء بل يُتمّ صومه.
(12) قوله: بأكل أو شرب، قد يُسْتَدَلّ عليه بإطلاق الفطر في الحديث المذكور ويُنازَع بأنه محمول على الجماع. فقد رواه عشرون من حافظ أصحاب الزهري بذكر الجماع، والأحسن في الاستدلال ما أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن كعب عن أبي هريرة أن رجلاً أكل في رمضان. فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يعتق رقبة "الحديث" لكن إسناده ضعيف لضعف أبي معشر راويه عن ابن كعب، والمشهور في الاستدلال حمل النظير على النظير.
(13) أخّره مبالغة في استواء أمره مع غيره.
(14) أي: فعليه شيئان. قوله: فعليه قضاء...إلى آخره، ثبت في رواية أبي داود من حديث أبي هريرة في قصة المُجامع في رمضان، وفي سندها ضعف، وورد أيضاً في رواية مالك عن سعد بن المسيب مرسلاً، وفي رواية سعيد بن منصور وغيرهما، ذكره ابن حجر.
(15) في بعض النسخ: وهي أن.
(16) قوله: فإن لم يجد...إلى آخره، فيه إشعار بأنه لا ينتقل عن العتق إلى الصيام وكذا عنه إلى الإِطعام إلا عند العجز، وبه ورد التصريح في كثير من الروايات، وبه أخذ أصحابنا والشافعي، وقال مالك: هو على التخيير أخذاً بظاهر ما رواه عن الزُّهري عن حميد عن أبي هريرة، قاله الزرقاني.
(17) في نسخة: فإطعام.
(18) قوله: نصف صاع، فالمجموع ثلاثون صاعاً من حنطة أو ستون صاعاً من شعير أو تمر وأما قصة العرق الذي كان فيه التمر أقل من ذلك فمحمول على القدر المعجَّل (قال الحافظ: قد اعتنى به - أي بالحديث المذكور - بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا، فتكلم عليه في مجلّدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة. فتح الباري 3/172).
الموطأ مالك