حدثنا خلف بن هشام البزار ، حدثنا أبو شهاب بن الحناط ، عن سفيان ، عن رجل ، عن ابن منبه قال : « لما بعث الله تبارك وتعالى موسى وهارون إلى فرعون قال : لا يرعكما لباسه الذي لبس من الدنيا فإن ناصيته (1) بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني ، ولا يعجبكما ما متع به منها فإنما هي زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ، ولو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت ، ولكني أرغب بكما عن ذلك فأزوي ذلك عنكما وكذلك أفعل بأوليائي وقديما ما خرت لهم في أمور الدنيا ، إني لأذودهم (2) عن نعيمها كما يذود (3) الراعي الشفيق غنمه عن موارد الهلكة ، وإني لأجنبهم سلوتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله (4) عن مبارك (5) العرة وما ذاك لهوانهم علي ؛ ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفورا لم يكلمه الطمع ، ولم تنتقصه الدنيا بغرورها إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع والخوف ، والتقوى تثبت في قلوبهم فتظهر على أجسادهم فهي ثيابهم التي يلبسون ودثارهم الذي يظهرون ، وضميرهم الذي يستشعرون ، ونجاتهم التي بها يفوزون ، ورجاؤهم الذي إياه يؤملون ، ومجدهم الذي به يفخرون وسيماهم التي بها يعرفون فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك ، واعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ثم أنا الثائر له يوم القيامة »
(1) الناصية : مقدمة الشعر والجبهة من الرأس والمراد أنه مالك لها
(2) أذود : أمنع وأدفع وأطرد
(3) يذود : يمنع ويطرد
(4) الإبل : الجمال والنوق ليس له مفرد من لفظه
(5) المَبارِك : جمع مبرك وهو اسم للمكان الذي تنيخ فيه الإبل